كتاب القدس

كن كاتبا

ابدأ الان بكتابة المحتوى على منصة كتاب القدس

حور عين تجلّت للعرب!

حور عين تجلّت للعرب!
أقِرُّ ابتداء بأنّ كلّ خلق الله حسن، وذاك خبر من رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – ولكنّ الحُسْنَ درجات، وهو عند النّساء درجتان درجتان، بل وأكثر، حسب اختلافهنّ، فهنّ بالمروءة الأنثويّة والكبرياء يقفزن بأوصاف الحُسْنِ حتّى تظهر مبالغتهنّ ضِعفين أو أكثر، لكنّ المطّلع على أشعار العرب قديما في وصف المرأة، يُخيّل له أنّ حور عين تجّلت من الجنّة لهم، بل ووافق ذلك موسما أينعت فيه ثمارُ بستانِ اللّغةِ العربيّةِ حتّى أثقلت فيه أعذبُ وأفصحُ الأقوالِ أشجارَ الأساليب والقوالب من شِعر ونَثر..فهذا النّابغة الذبيانيّ يصف وجه امرأة النّعمان بن المنذر:

أَلَمْحَةٌ مِنْ سَنا بَرْقٍ رَأی بَصَري

أمْ وَجْهُ نعمٍ بَدا لِي، أمْ سَنَا ناَرِ؟

بَلْ وَجُهُ نُعمٍ بَدا، وَالَّلیْلُ مُعْتَکرٌ

فَلاحَ مِنْ بَیْنِ أَثْوابٍ وَأَسْتارِ

فأيّ وجه هذا يظهر كلهيب النّار بريقا، وكضوء القمر في ليل حالك الظّلام !؛ وهذا امرؤ القيس يصف عيني حبيبته، فيقول:

تصد وتبدي عن أسيل وتتقي

بناظرة من وحش وجرة مُطْفِلِ

فأّيّ عيون هذه تتوسّع لتضاهي عيون البقر الوحشيّ في توسّعها وشدّة سواد الحدقة مع شدّة بياض العين !. وامرؤ القيس نفسه قال عجبا حين وصف جمال العينين ضمن جمال الوجه:

فأمّا ما فويق العقـــــد منهـا

فمن أدماء مرتعهــــا الكــــلاء

وأمّا المقلتـــــان فمن مهاة

وللدرّ الملاحـــة والصفـــاء

وحتّى الثغر من فم ومقدمة أسنان، لم يُهْمَل، فوصفه امرؤ القيس فقال:

بثغر كمثل الأقحوان منورّ

نقي الثنايا أشنب غير أثعل

فأيّ ثغر هذا أبيض متناسق الأسنان كأنّه زهرة طاب منظرها وريحها، وهذا الكمال لا يتأتّى اليوم إلّا بجملة مال عند طبيب الأسنان، مع النقصان، فموضع دخول الأكل دوما تعتريه صفرة أو رائحة خبيثة؛ وهذا طرفة بن العبد يصف شفاه امرأة، فيقول:

وتبسم عن ألمى كأنّ منوّرا

تخلّل حرّ الرمل دعص له ندي

فأيّ شفاه هذه ذات حمرة كحمرة الرّمل الخالص مع بريقِ نُور !، وهذا لا يتأتّى اليوم إلّا بمساحيق ومراهم التّجميل التي يوازي سِعْرُ واحدة أصليّة منها في الدّول المتقدّمة سِعْرَ سيّارة في الدّول المتأخّرة !؛ وهذا معن بن أوس يصف أنفها فيقول:

وأقنى كحدّ السّيف يشرب قبلها

فأيّ أنف هذا كمثل القناة والرّمح في الاستقامة !؛ وفي وصف مفاتن المرأة عند شعراء العرب قديما ما يُستحى ذِكْرُه في هذا المنبر العام لعجبه ودقّتِهِ وغِلْظَةِ عورته، ولعلّ وصف عضو واحد بهذه الأوصاف يُصيبك بالدّهشة والعجب، فكيف بامرأة عندهم اجتمعت فيها كلّ هذه الأوصاف من الرّأس إلى أخمص القدم !..

فإمّا أنّ لهم خيالا واسعا يجارونه باللّفظ، فيُعذر عندهم حينئذ الكذب حال وصف المرأة، فلا يعدّ من خوارم المروءة ولا من سوء الخلق، أو أنّ جمال تلك الفترة انقرض وبقي جزء واحد منه فقط في نساء هذا الزّمان من ألف جزء، وإمّا أنّ حور عين تجلّت من الجنّة فأبصروها، وباللّفظ العذب الفصيح الدّقيق صوّروها، وختاما، كلّ خلق الله حسن.

#شعيب_قاسمي

12.6K
او قم بنسخ الرابط وانشرة اينما كان
كتاب القدس

هذا المحتوى ملك للمسؤول
alqudsbook.com موقع

© alqudsbook.com. كل الحقوق تعود الى كتاب القدس. صمم ل كتاب القدس