خلق الله تعالى من كل شئ زوجين اثنين فتجد الليل والنهار والشمس والقمر والأبيض والأسود والنور والظلام واليأس والأمل والنجاح والفشل ،وهكذا فإن كل شئ في هذا الكون له وجهان حتى المعاني الغير ملموسة نجد الحزن والفرح والنشاط والكسل والشجاعة والجبن إلى غير ذلك من المتضادات والمتباينات في الكون من ماديات ومعنويات ،والله تعالى وحده هو الوتر الذي لا يحتاج إلى زوجة أو ولد ولا يحتاج إلى أنيس ولا ونيس.
وحين يبتلى المرء بفقد عزيز تجده لن يرى إلا الجانب المظلم لهذا الحدث وسوف يمكث فترة لا بأس بها قابعًا في حزن دفين لا يستطيع الفكاك منه ويحق له أن يحزن على فقدان الأحبة ولكن لا يحق له أن يستمر في حالة الحزن تلك المقيدة عن الاستمرار في الحياة بشكل طبيعي.
فلا يلبث أن يجد نفسه أمام أمر واقع فرضه عليه القدر وأمام حياة جديدة لابد أن يتعامل مع مفرادتها.
وأشد أنواع الشعور بالفقد هو الشعور بفقد أنيس الروح ورفيق النفس أو الشخص الذي كان يمثل لك كل الدنيا ومصدر الأمان.
وقد يكون ذلك الشخص هو الأب أو الأم لدى البعض وقد يكون الأخ أو الأخت لدى البعض الآخر وقد يكون الزوج أو الزوجة لدى آخريين.
والعلاقة الزوجية السوية هي الأقرب على الإطلاق لكل إنسان حيث يصبحان جسدا واحدا.
ولكن إرادة الله دائمًا للمؤمن يكون بها خير وإن لم يره جيدًا في البداية.
الآن أصبح الأمر يختلف،فقد ترك أحد الأزواج زوجه بوفاة وشعر الطرف الآخر بالفقد الشديد وتألم كثيرًا حين وجد أن ما كان يصله من الطرف الآخر لم يعد يصله من اهتمام وكفاية وشعور بالأمان ومشاركة ومواساة ومساندة ومودة،فيبكي الطرف الفاقد بشدة كلما تذكر نصفه الآخر وقد غاب عنه.
والناس في هذا أحوال،فقد يكون هناك مودة بين الطرفين وتعظم رغبة كل طرف بالآخر حتى إذا فقد أحدهما الآخر بوفاة لا يفكر في الاقتران بغيره طمعًا وأملا في أن يجتمعا من جديد في عالم آخر لانهائي وفي جنة الرحمن وتنتهي بالنسبة للطرف الفاقد الدنيا ولا يجد لها طعما ولا حياة.
وهناك من كانت تجربة زواجه عادية فاترة فبمجرد مفارقة إحدى الطرفين يفكر الطرف الآخر بالبحث عن شريك آخر يجدد له معنى الحياة.
ونحن بصدد الحديث عن الجانب المشرق لحياة الترمل،فمعروف أن الوحدة شعور سيئ للغاية ألا تجد من يحمل عنك همك أو يواسيك أو يشاركك أفراحك وأحزانك أو يبادلك الرأي وإذا واجهتك مشكلة فسوف تكون أنت المتصرف فيها بأفكارك سواء كانت تلك الأفكار سليمة أو مخطئة.
كما أنه سوف تختبر في نقص المشاعر والعواطف فقد قال تعالى"ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين [البقرة:155]
ونقص الأنفس هو فقدان الأحبة أو فقدان خاصة الناس الذين يؤمنون حياتنا وهذا ابتلاء من الله للمؤمن.
ولكن كل تلك الأمور أمور سلبية في فقد عزيز ويعرفها الجميع،فهل هناك أمور وجوانب إيجابية في هذا الأمر من منطلق أن الله تعالى خلق لكل شئ وجهان وجه مشرق وآخر مظلم فإذا نظرنا إلى الوجه المظلم فقط فسوف يستمر الحزن إلى آخر الحياة وهذا مالا يريده الله تعالى لنا ،أما إذا نظرنا إلى الجانب المشرق مما يحدث فسوف نستمد طاقة إيجايبة تعيننا على استكمال الحياة بشكل طبيعي.
إذن ما هي الجوانب الإيجابية في الترمل؟
يقول لك ربك أنت الآن وحدك ،اعتن بنفسك جيدًا فأنت بحاجة إلى عناية.
ولا تنتظر من يعطي لك العناية أو الاهتمام وسوف تستغرب هذا المعنى في البداية فقد كنت في بؤرة اهتمام أحدهم وفجأة فقدت ذلك الاهتمام بوفاته.
الآن أنت بؤرة اهتمام نفسك.
ابحث عن نواقصها وكملها
قد أفلح من زكاها
هذه فرصة لترقي النفس
وفرصة لتعلم المزيد من أمور الحياة سواء في العلم المادي أو الروحي.
يمكنك تعلم لغة جديدة فلا يرتبط التعلم بسن معين.
اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد.
يمكنك التطلع بحرية من نافذة الحياة واختيار ما تشاء أن تكونه و؟أن تسعى لذلك بكل حرية.
ربما الزواج هو الطوق الذهبي الذي يطوقك بإرادتك عن الكثير من الأمور التي تستطيع أن تنجزها،فتكون مقيدا وراضيا بذلك كل الرضا.
من أهم آثار الترمل هو وجود مساحة كبيرة من الوقت بعدما كانت مخصصة للعناية بالشريك.
أنت الآن لديك الوقت بنسبة 100% لكي تبدع في الحياة وتترك بصمة خاصة وحدك.
انطلق في عالم تحقيق الذات.
تعلم وتأمل وارتقي وتعرف على العديد من الثقافات.
سوف يسأل أحدهم،وماذا عن الفراغ العاطفي؟
العاطفة من حق كل إنسان طبيعي على ظهر الأرض.
وكذلك نعمة الأبناء والكثير من النعم الأخرى.
والله تعالى هو الذي يوزع نصيبنا في كل شئ بحكمة منه يتطلبها أمر ترقيتنا.
فإن لم تتوفر العاطفة لفترة من الزمن فتلك رسالة من الله بأن المرء يبنغي عليه أن يطور من ذاته ولابد من البحث عن بديل جيد يشبع لدينا الإحساس بالسعادة المفتقد بفقدان الشريك.
ويمكن استبدال العاطفة بالشعور بالنجاح والإنجاز فإن ذلك يمنح الجسد هرمونات السعادة،فكلما ينجز المرء شيئ جديد ويشعر أنه ناجح ومحبوب من الآخريين فإن ذلك يدفعه إلى تحقيق المزيد من النجاحات.
ولابد من الاعتراف بأن الحزن يتخلل بعض المساحات من الوقت لحدوث المقارنة في الشعور بين الماضي والحاضر ولكن الإنسان مأجور في ذلك كله على صبره والمضي قدمًا فيما أراده الله تعالى له.
ووضع القيمة أعلى من وضع المتعة.
بمعنى أنك في علاقة زواج تكون المتعة هي المتاحة وربما الحسنات المصاحبة للنية في هذه العلاقة واحتساب كل شيئ لوجه الله تعالى.
ولكن حين الفقد يكون هناك وضع آخر هو وضع القيمة بمعنى أن المرء يبحث عن تحقيق قيمة عالية لذاته يحب معها الحياة.
أيضًا شعور الحرية الذي يتغلغل في روح المرء شيئًا فشيئًا فيجد نفسه يفعل ما يريد وقتما يريد.
وبالطبع فشعور الحرية هنا هو المقيد بالمسئولية والعرف والدين.
فالحرية في التعلم والإبداع ومعرفة الصالحين وفعل الخيرات.
وحرية اتخاذ القرار والتفكير بعمق.
إذن الحرية والقيمة والتعلم وترقية النفس والاهتمام بالذات وتزكيتها ومضاعفة الوقت المتاح للكثير من الأمور القيمة من أهم الجوانب الإيجابية في الترمل.
وربما تكون فترة الترمل فترة مؤقتة يعقبها عوض من الله عن ذلك الحزن الذي يقاومه المرء فيعود مرة أخرى لمسئولية الزواج.
وخلاصة القول أن المرء يجب أن يستمتع بحياته كما أرادها الله ويسعى في نفس الوقت للتغيير وأن ينظر إلى الجانب الإيجابي لكل حالة.
فإن كان في علاقة زوجية يتمتع بها وإن كان فاقدا لزوجه يبحث عن إسعاد نفسه ويتمتع أيضًا ويعلم أن الله حين يضعه في وضع ما فإنه يريد له الخير يقينًا.
وكل تلك الكلمات على سبيل التصبر لا أكثر فلا يوجد أفضل من الحياة مع شخص محب تعطيه ويعطيك ولكن إذا حكمت الظروف بغير ذلك فيجب التأقلم مع الوضع الجديد لحين إشعار آخر.