فتح الملك عينيه عشية ذلك اليوم البارد الكئيب من شهر تشرين الثاني فوجد زوجته، أبنائه و أحفاده متحلقين حوله في تلك الغرفة الواسعة التي لم يغادرها منذ شهر و نصف. بدا وجهه متعبا و شاحبا ، لا تشبه ملامحه ملامح الأحياء في شيء. نظر بعينيه طويلا نظرة متفحصة لجميع من كان في الغرفة ثم إستقرت نظراته على إبنه البكر " أحمد " فأشار إليه بيد مرتعشة أن يقترب منه قام "أحمد" من مكانه و سار نحوه بخطى ثقيلة حتى وصل إليه ، ثم جلس على السرير بالقرب منه ، أمسك الملك بيد نجله بصعوبة بالغة و بشفتين مرتعشتين و صوت خفيض قال له : - أنت و من بعدك أخاك .. و ثبت نظرته الصارمة عليه برهة من الزمن إستوعب من خلالها الأمير "أحمد" أن ما جاء على لسان والده هو وصيته الأخيرة فقال له مطمئنا: - أعدك بذلك . لاح طيف إبتسامة على وجه الملك ، أعاد النظر إلى وجوه الجميع ثم أغمض عينيه إغماضته الأخيرة . غابت شمس ذلك اليوم باكرا و غاب حضور الملك معها للأبد و أقبل ليل قاس و حاد لن يتوارى أبدا . في صباح اليوم التالي أعلن خبر وفاة الملك في الإعلام "الملك في ذمة الله و نجله الأكبر الملك أحمد يعتلي العرش" و أعلن الحداد في المملكة لمدة أربعين يوما و نكست الأعلام في كل مكان. و في الأثناء نقل نعش الملك المغطى بالعلم برفقة أبنائه و أحفاده محمولا على هامات ظباط جيش قاده لسنين طويلة في موكب جليل استمرتسعون دقيقة في شوارع المملكة على الرغم من البرد و المطر و غصت الشوارع بأبناء الشعب الذين إحتضنهم الملك في حياته فخرجوا محتضنين نعشه ، مرافقين موكبه في آخر الرحلة ، شيبا و شبانا ، رجالا و نساءا ودعوه بالدموع و الزهور . و قدم معظم زعماء العالم ،الصديق منهم و العدو لتوديع رجل دولة فاق حجمه حجمها ، و مشوا كلهم وراءه في مشهد مهيب . عند وصول الجثمان إلى محطته الأخيرة دخل أشقاء العقيدة ليصلوا عليه بينما انتظر البقية في الخارج . و أخيرا أخرج الجثمان من التابوت و وضع بالقرب من جثمان والده و جده و رحل الجميع ..