كتاب القدس

كن كاتبا

ابدأ الان بكتابة المحتوى على منصة كتاب القدس

ربّاه أشياؤه الصغرى تعذّبني

ربّاه أشياؤه الصغرى تعذّبني

ربّاهُ أشياؤهُ الصغرى تُعَذِّبُنِي.. لوحة ڤان جوخ المعلّقة فوق سريري، الكوب الذي أحتسي فيه النسكافيه كل صباح، سمّاعة الأذنين التى لا تفارقني، الأقلام الحمراء التّي أحتفظ بها في درج مكتبي، شاحن الموبايل، الجورب الشتويّ الذي تزيّنه شرائح البطّيخ، دفتر تدوين الملاحظات، الرواية التي أرسلتِهَا لي وكتبتِ رسالة بدم القلب في آخرها، عصا التقاط الصور.. وغيرها من هداياك التي تُحاصرني بعد رحيلك.

 

     كنت دوما ترددين أنك تريدين أن تظلي معي وتبقي حولي -بهذه الهدايا- رغم المسافات التي تفصلنا، وها هي هداياك تعاتبني الآن بقسوة بعد الفراق. كان يُمكنني أن أتخلّص من هداياك تجنّبا للذكرى التي تذبح القلب ذبحا. ولكن مَن قال أنّي لا أريد أن أتذكّر! ذكراك معي حلوى أقتات عليها في أيامي الصعبة، وما أكثر أيامي الصعبة.

 

     تُرى هل تعذّبك أشيائى الصُّغرى أيتها السمكة؟ هل يعذّبك السّوار الذي ما نزعتِه من معصمك قط منذ ألبستُكِ إياه؟ على الرغم من كل ما حدث، أشعر بشيء ما لا زال يربطنا -رغم تقطُّع الأسباب- كلّما رأيتُ السوار في معصمك.

 

    أتحسّر حينما أتذكّر أنه عندما كانت المسافة بيننا آلاف الكيلومترات كنّا نتواصل، وعندما أضحت المسافة بيننا مترا واحدا امتنعنا. يا ألله. لم يدُر في خلدي يومًا أنك ستكونين بجواري على مسافة متر ولا نتبادل حتّى التحيّة.

 

   عجيب أمر الحب وما يفعله بالعاشقين، وغريب هو اللقاء الذي لطالما منّينا نفسينا به ولمّا كان لم نقل حتى "كيف حالك". في ذاك اليوم ذبحتِنِي مرّتين، ولكن خيط الود ظلّ متّصلا عندما رأيت -والسكّين تلمع في يدك- السّوار في معصمك. لا زال في عينيك ذيّاك البريق، ولا زال السوار في يدك، ولا زالت أشياؤك الصغرى تعذّبُني أيتها السمكة، ولكن قلبي لا زال ينزف من طعنتك النجلاء.

 

    أعلم أنّها أيام ثقال، وأنك تتعذّبين. وأنا -إكرامًا لأيام حُلوة- لا أريد أن يترك جرحي ندبة في قلبك الرقيق المليء بالندبات. أنا مدين لك باعتذارات بقدر الخذلان ووجع القلب والشروخ التي تركتُها في روحك. أعترف بها جميعًا، وأسألك السماحَ قبل أن أسألك الرحيلا لأني تعبت.

74
او قم بنسخ الرابط وانشرة اينما كان
كتاب القدس

هذا المحتوى ملك للمسؤول
alqudsbook.com موقع

© alqudsbook.com. كل الحقوق تعود الى كتاب القدس. صمم ل كتاب القدس