◾السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ◾
🔹️سلسلة طب القلوب 🔹️
🔹️طهارة القلب شرط دخول الجنة🔹️
إن طهارة القلب شرط دخول الجنة، لذا ذم الله خبثاء القلوب
فقال: ﴿ أُولِئك الّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ في الدُّنيا خِزْيٌ وَلَهُمْ في الآخِرَةِ عَذابٌ عَظيْمٌ ﴾ [المائدة: 41]،
✍ والآية دليل دامغ على أن من لم يطهِّر قلبه فلا بد أن يناله الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة، ولهذا حرَّم الله سبحانه الجنة على من كان في قلبه مثقال ذرة من خبث، قال صلى الله عليه وسلم: « لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ».
ولا يدخلها أحد إلا بعد كمال طيبه وطهره، لأنها دار الطيبين، ولذا يُقال لهم وهم على مشارف الجنة: ﴿ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾ [الزمر: 73].
ويُبشَّرون عند موتهم دون غيرهم على لسان الملائكة:
﴿ الّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجنَّةَ بِمَا كُنْتمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل:32].
👈قال ابن القيِّم: " فالجنة لا يدخلها خبيث، ولا مَن فيه شيء من الخبث، فمن تطهَّر في الدنيا ولقي الله طاهراً من نجاساته دخلها بغير معوِّق، ومن لم يتطهر في الدنيا ؛ فإن كانت نجاسته عينية كالكافر لم يدخلها بحال، وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعد ما يتطهر فى النار من تلك النجاسة، ثم يخرج منها حتى إن أهل الإيمان إذا جازوا الصراط حُبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيهَذَّبون وينقَّون من بقايا بقيت عليهم قصرت بهم عن الجنة، ولم توجب لهم دخول النار، حتى إذا هُذِّبوا ونقوا أُذِن لهم في دخول الجنة ".
👈من أجل ذلك جاء الأمر جازما للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر: 4].
👈قال ابن القيِّم: " وجمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم على أن المراد بالثياب ها هنا القلب، والمراد بالطهارة إصلاح الأعمال والأخلاق ".
النجاسة الكبرى
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [التوبة: 9]
👈فعبَّر سبحانه وتعالى عن نجاستهم بالمصدر للمبالغة ؛ وكأنهم عين النجاسة لأن خبائث الباطن أولى بالاجتناب وهل أخبث من الشرك؟!
✍أن الطهارة والنجاسة غير مقصورة على الظاهر، فالمشرك قد يكون نظيف الثوب مغسول البدن ولكنه نجس القلب، وهذا الذي ذهب إليه أهل المذاهب الأربعة إلى أن الكافر ليس بنجس الذات لأن الله سبحانه أحلّ طعامهم، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك من فعله وقوله، فأكل في آنيتهم، وشرب منها، وتوضأ فيها، وأنزلهم في مسجده.
✍وإضافة إلى هذا ؛ فالنجاسات المعنوية ليست على درجة واحدة بل تتفاوت، وليس محلها قلوب الكفار فحسب، بل قد توجد في قلوب المسلمين، فالغضب والكبر والحسد وغيرها من أمراض القلوب نجاسة، وإذا كان صلى الله عليه وسلم قد قال: « لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة »، فإن أبا حامد الغزالي [ت: 505] قد تأمل في هذا الحديث تأملا قد يكون بعيدا عن الظاهر لكنه ذو دلالة فقال:
👈 والقلب بيت هو منزل الملائكة، ومهبط أثرهم، ومحل استقرارهم، والصفات الرديئة مثل الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها كلاب نابحة، فأنى تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب، ونور العلم لا يقذفه الله تعالى في القلب إلا بواسطة الملائكة، وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء، وهكذا ما يرسل من رحمة العلوم إلى القلوب إنما تتولاها الملائكة الموكلون بها، وهم المقدسون المطهرون المبرءون عن الصفات المذمومات، فلا يلاحظون إلا طيبا، ولا يعمرون بما عندهم من خزائن رحمة الله إلا طيبا طاهرا ".
✍قال خبير القلوب وكاتم سر النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، رأيتُ أحدهما، وأنا أنتظر الآخر: حدَّثنا أن الأمانة نزلت في جِذر قلوب الرِّجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السُّنة، وحدَّثنا عن رفعها قال: « ينام الرجل النوْمة فتُقْبَض الأمانة من قلبه،.. ».
✍والأمانة المذكورة في الحديث هي الأمانة التي جاءت في قوله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]، وهي عين الإيمان، فالأمانة هنا هي الإيمان، وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الإيمان نزل أول ما نزل في القلب تعبيرا عن الفطرة السوية التي يولد بها العبد، ثم يزيد الإيمان بعد ذلك اكتسابا بتعلم القرآن والسنّة، وتأتي أهمية الأمانة من أنها إذا تمكنت من قلب العبد ؛ قام بأداء ما أُمِر به واجتنب ما نُهِي عنه في بكل طواعية وتسليم.
✍وفي الشطر الثاني من الحديث أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الإيمان يُنزع أول ما يُنزع كذلك من القلب، فمن القلب الزيادة ومنه النقصان، وفيه نشأة الخير ومولد الشر، ولو لم يكن للقلب من فضل إلا أنه وعاء الإيمان لكفاه وفضل عليه.
✍والقلب كذلك هو وعاء التقوى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « التقوى ها هنا »، وأشار إلى صدره، علامة على أن مكان التقوى هو القلب، والقلب وحده، فليست التقوى نبرة خشوع أو دمعة عين أو إطالة سجدة أو غير ذلك من المظاهر الفارغة من الروحانية والخشوع، إنما هي سر قلبي مستودع في القلب لا يطلع عليه أحد إلا الله.