كتاب القدس

كن كاتبا

ابدأ الان بكتابة المحتوى على منصة كتاب القدس

عن المشهد النقدي الذي لا يكاد يُرَى

عن المشهد النقدي الذي لا يكاد يُرَى

المتأمل للمشهد النقدي الآن لن يبذل الكثير من الجهد ليشهد بأزمته الطاحنة، فالمشهد النقدي ليس بعيدا عن المشهد العام للسياق الثقافي المأزوم، إن لم يكن في القلب منه، بل إنني لن أكون مبالغا إن قلت، إن أزمة الثقافة الحقيقية في الوطن العربي سببها انحراف النقد عن أداء مهمته الأساسية في إنارة الطريق، والتوجيه، ورسم السياسات التي من شأنها أن تخلق إطارا كليا لمفهوم الثقافة العربية، يشير إلى هويتها، ويُحدد مجرى سياقاتها، ويُنبئ بآفاقها المستقبلية، لكننا فقدنا كل ذلك بسبب تقاعس الحركة النقدية، وتخليها عن دورها، وتهافت النقاد إلى المناصب، أو الوجود قريبا منها، ومن التكتلات الثقافية الخاصة الكبرى التي تمنح الجوائز، وتقيم المؤتمرات، وتنشر الكتب الفاخرة، وتهب صكوك التواجد، وتشارك المؤسسات الحكومية بدأب واتساق في إدارة الشأن الثقافي الآن.

غياب النقد سبب الأزمة.

تسبب النقد في وجود الأزمة إذن، ثم صار جزءا منها يستميت في البحث لنفسه عن حل، ينقذه من دوامة الركود والسطحية التي انهار إليها، الركود الذي صنعه اختفاء النقاد الكبار في مرور الزمن ـ أصحاب القضايا الكبرى، والرؤى النافذة ـ دون أن يخلفوا ورائهم منْ يقدر على حمل الراية، حتى صارت معظم الجامعات ـ التي من شأنها أن تربي النقاد، وتدفع بهم إلى الحياة العامة كلها ـ مرتعا للوساطة، والتبعية، والمصالح المتبادلة، بل والتوريث العائلي أيضا، ثم جاءت السطحية لتطغى على المشهد النقدي كله، كنتيجة طبيعية للركود والتهافت، فقد نشأ الفراغ وكان لابد من ملئه.

المقالان الصحفية كبديل هش.

هكذا ظهر ما يمكن أن نطلق عليه "النقد الصحفي" الذي راح يشتغل به النقاد الصغار دائمو البحث عن منافذ الوجود والتحقق، وبعض المبدعين الذين امتلكوا خبرة السير في الطريق، أو الذين رأوا أن إبداعهم وحده لا يكفي للوجود، وكثير من الصحفيين الذين اشتغلوا بالمنابر الثقافية في المؤسسات الصحفية، أو اعتلوا سُدَّتها، والفئات الثلاث جميعها غير متخصصة، انحدروا بالنقد إلى هوة الانطباعية والتسطيح، ثم إلى هوة الاستسهال والتكرار والاختزال نتيجة ضيق المساحات المتاحة للنشر في الصحف والمجلات، وحتى في المواقع الالكترونية.

****

هكذا صار من الطبيعي الآن أن يكتفي المبدع العربي، شاعرا وروائيا، بالاحتفاء بكتابه الإبداعي عن طريق نشر أخبار صدوره، أو كتابة المقالات عنه، أو مناقشته بندوة من خلال كُتاب النقد الصحفي، وسيكون من المحظوظين كثيرا إذا ما فاز كتابه ـ عبر صدفة حقيقية أو متعمدة ـ بجائزة ما، تضمن له البقاء حينا آخر من الوقت، في ذاكرة السمك التي نتحرك فيها، ولا أحد منهم يمتلك الوقت أو الرغبة لينظر من خلفه، بحثا عن النقد الحقيقي الذي توارى في البُعد، حتى صار نقطة باهتة في البعيد، ولا يكاد يُرَى.               

    

    

155
او قم بنسخ الرابط وانشرة اينما كان
كتاب القدس

هذا المحتوى ملك للمسؤول
alqudsbook.com موقع

© alqudsbook.com. كل الحقوق تعود الى كتاب القدس. صمم ل كتاب القدس