الحمد لله رب العالمين والصلاه والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
ازدهار الكتابة في عصر النبوة:
إن أمر ازدهار الكتابة في عصر النبوة لم يعد موضع مناقشة فالشواهد الواقعية و النصوص المدونه أزالت كل الشكوك التى أثيرت حول هذه القضية ولا أريد أن أعرض بالتفصيل الأدلة على أن الكتابة أصبحت ظاهرة حضارية فى عصر النبوة ولكن ما أريد أن أعرض له وانتبه عليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم استعمل الكتابة في شئون الدين وأمور الحياة وهو في ذلك يستجيب لدواعي الإسلام ويراعى ظروف الدولة الناشئة
عوامل تطور الكتابة في عصر النبوة:
١/ لقد أخذ الإسلام من الكتابة موقف من يعرف مكانتها ويدرك أثرها فنجد أن القرآن ذكر أدوات الكتابة من قلم ومداد وقرطاس اى الورق والكتاب ونفى الكتابة والقراءة عن النبى يحمل على تأييد وحيية القرآن فهو لم يأخذه عن أحد ولم يتلقه من بشر وعلى ذلك فليس لنا أن نصرفه إلى أنه كان من سمات الشخصيه المتميزه عندئذ
٢/ إن القسم بأدوات الكتابة دليل على رفعة شأنها وأنها دافع قوي جدا استحث المسلمين على الإقبال عليها والإفادة منها ولئن رأينا أن الكتابة وقفت عند حدود الظاهرة الحيوية التي تفى ببعض الحاجات الأساسية في العصر الجاهلي إلا أن الدولة الإسلامية اعتمدت منذ قيامها على الكتابة في توثيق القرآن والسنة النبوية
٣/ لقد خرجت الدعوة الإسلامية من مكة حيث كانت التجارة غالبة وفي البيئات التجارية تكتسب الكتابة أهمية كبيرة إذ تصبح ضرورة تفرضها شئون المال وأسواق المعاملات
فنجد أن القرآن ذكر توجيها صريحاً إلى الكتابة واتخاذها وسيلة لتنظيم الحياة وأشار إلى ذلك فى آية الدين في سورة البقرة والحكمة في ذلك أنها تنظم التعامل بين المتدايين والأمر بكتابة الدين صغر أو كبر ٠
وإذا كانت الآية قد بينت أن كتابة الدين حماية لحق الدائن فإن ذلك يوجب كتابة العلم فهو أولى بأن يصان يقول البغدادي:
( لما أمر الله تعالى بكتابة الدين حفظا له واشفاقا من دخول الشك فيه كان حفظ العلم الذى هو أصعب من حفظ الدين أولى بأن يصان خوفا من دخول الشك فيه) انظر تقييد العلم ص١٧
٤/ كذلك فإن الرسول قد استخدم الكتابة في شئون البلاد وفيما أبرمه من عهود مثل صلح الحديبية وما كتبه من رسائل إلى الملوك والرؤساء بقصد دعوتهم للإسلام كما استخدمها فيما يتعلق بتنظيم الدولة يقول حذيفة بن اليمان: قال رسول الله:احصوا لى كل من تلفظ بالإسلام قلنا يا رسول الله: اتخاف عينا ونحن بين الستمائة والسبعمائة فقال رسول الله: إنكم لا تدرون لعلكم تبتلوا قال حذيفة: ابتلينا حتى جعل الرجل منا يصلي سرا
انظر سنن ابن ماجة كتاب الفتن ج١ ص ١٣٣٧
ومما يدل على اهتمام النبى بالكتابة والقراءة أنه جعل فداء أسرى بدر لمن يعجز عن افتداء نفسه أن يعلم بعضاً من أبناء المسلمين القراءة والكتابة
وكان الرسول حريصا على تعليم نساءه القراءة والكتابة روى الإمام أحمد في مسنده قال:
( عن الشفاء بنت عبدالله قالت: دخل علينا رسول الله وأنا عند حفصة فقال لى: ألا تعلمين هذه رقيه النملة كما علمتها الكتابة) انظر مسند الامام احمد ج٦ ص١٧٩
وإذا كان بعضهم قد حكم على الكتابة فى ذلك الوقت بأنها هزيلة فإن حكمه بلا إنصاف لأن مقياس الجودة مرهون بزمنه والحكم على أية ظاهرة لابد أن يكون في ضوء عصرها
وللحديث بقية
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاه والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين