كتاب القدس

كن كاتبا

ابدأ الان بكتابة المحتوى على منصة كتاب القدس

العيد الذي بداخلك.. ماذا حلّ به؟ أحد مرضى إيليزابيث "كوبلر روس" يسأل

العيد الذي بداخلك.. ماذا حلّ به؟ أحد مرضى إيليزابيث

العيد الذي بداخلك.. ماذا حلّ به؟
السّؤال الذي تركه أحد مرضى "إيليزابيث كوبلر روس" لأصحّاء الزّمن القادم

نزيهة زعبار _ 10 أفريل 2024م/01 شوال 1445ه

مقدّمة:

أنت لست أنت.. منذ أن اختفى العيد الذي بداخلك.. صرت جافّا.. صرت قاحلا.. روحك المشرقة بأمنيات العيد سيّجتها التّجاعيد..
أنت لست أنت.. منذ أن اختفى العيد الذي بداخلك.. صرت عاجزًا.. صرت عجوزًا في مقتبل العمر..
بأمسٍ مضى، كنت تعايد من حولك باليوم الجديد... يوم جديد بالنسبة لك كان عمرا جديدا و حياة جديدة... يوم جديد بالنسبة لك كان عيدا: محاولة جديدة، و فكرة جديدة، و خطوة جديدة...
و اليوم، تغيّرت أمور كثيرة جدا.. صارت أيامك تمضي كالسّويعات، و سنواتك كبضعة شهور... و أنت تغيّرت، و أنا.. أنا المريض المفترض بين مرضى "كوبلر روس" الذي ترك لك هذا السّؤال عند طبيبته: "العيد الذي بداخلك.. ماذا حلّ به؟".

إيليزابيث كوبلر روس:

إيليزابيث كوبلر طبيبة و عالمة متخصّصة في علم النفس، ولدت في زيوريخ بسويسرا في 8/7/1926. درست الطب و تخرّجت في سويسرا، ثم تزوّجت من الطبيب الأمريكي إيمانويل روس.
عندما بدأت العمل كطبيبة مقيمة في الطب النفسي في مستشفى مانهاتن في الولايات المتحدة الأمريكية في بدايات الستينات ثم كأستاذة في كلية الطب بجامعة كولورادو لاحظت أنّ طرق علاج المرضى المشرفين على الموت أو بتعبير آخر "المرضى المحتضرين" سيئة جدا، و هو الأمر الذي حزّ في نفسها للغاية. 
و عندما بدأت التدريس في جامعة شيكاغو، باشرت مشروعا بحثيا التقت من خلاله بأشخاص يعانون من أمراض و من إصابات ميؤوس من شفائها، و بأشخاص يشرفون على الموت، و بأشخاص يحتضرون. و من هنا جاء ما يسمّى ب"نموذج إيليزابيث كوبلر روس".

نموذج إيليزابيث كوبلر روس:

في عام 1969، أصدرت إيليزابيث كوبلر روس كتابا عنونته بالإنجليزية « on Death and Dying » وهو العنوان الذي قد يترجم إلى العربية ب"الموت و الموات" أو "الوفاة و التّوفّي" أو حتى "الموت و الوفاة" و قد قسّمت فيه "الحزن" كحالة إنسانية و نفسية إلى مجموعة من المراحل:   

المرحلة الأولى: (مرحلة الإنكار و الرّفض)

يبدأ الحزن دوما ب"صدمة"... صفعة، أو ضربة، أو نزلة، أو صرعة، أو صعقة... يوجّهها جسمك لنفسه! تعي بعدها قيمة ما فقدت. في السّابق.. لم تكن تنتبه إلى أهميته، و اليوم.. تكتشف أن وجوده كان يصنع عيدك... قد يكون شيئا و قد يكون شخصا... بعد لحظة الوعي تلك، تبدأ بالتصرّف بشكل آخر؛ تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بل تحاول استعادة ما فقدت! لقد دخلت في مرحلة الإنكار و الرّفض، و بدأت تتصرّف بشكل مرضي. 

المرحلة الثانية: (مرحلة الغضب)

لقد دخلت في مرحلة الفلسفة الغاضبة؛ تساؤلات تجيب على تساؤلات، و تساؤلات أخرى تجيب على تساؤلات أخرى. لفرط التّساؤلات، نسيت غضبك الحزين، و دخلت في نوع آخر من الغضب؛ غضب هادئ.. إنّه غضب الفلسفة!
أنت الذي دفنت للتّو عزيزا عليك، أو للتّو تلقّيت خبر تفشّي مرض خبيث بجسمه، أو للتّو تلقّيت أنت خبر إصابتك بمرض قاتل، أو لنكن متفائلين قليلا؛ دنيويين نوعا ما و ماديين بعض الشيء: ربّما تلقّيت خبر إفلاسك، أو خبر احتراق منزلك، أو مزرعتك... أمّا إذا كنا اجتماعيين بعض الشيء؛ فقد تكون تلقّيت مثلا خبر خيانة... 
من أسئلة الحزن الغاضبة؛ أسئلة الخيانة، الخذلان، الانكسار، الإفلاس، أسئلة الاحتراق، أسئلة الحرائق، و الزلازل، و الفيضانات، و الحروب، أسئلة الطّعن، و القتل، و.. الموت... تأخذك الأسئلة إلى ما بعد الطبيعة، و فلسفة الطبيعة، و فلسفة القانون، و إلى علم النفس، و علم الاجتماع، و علم التاريخ، و إلى علم المنطق، و علم الجمال، و علم الأخلاق، بل قد تأخذك حتى إلى مسائل ما بعد الطبيعة،  و مسائل علم الأخلاق، وحتى إلى نظرية المعرفة.
إنّك "رافض"... هذا هو الرفض... أن تنكر الحقيقة و أن "لا" تتقبّلها.
و إنّك في الوقت نفسه "غاضب"... هذا هو الغضب... أن "تتمرّد" محاولا إثبات "العكس".
لقد دخلت في "متاهة" الأسئلة. و صرت جاهزا لكي تفاوض و تساوم!!!

المرحلة الثالثة: (مرحلة المساومة)

للغضب طاقة.. طاقة خرافية.. و أنت غاضب... تشتعل.. تشتعل أسئلةً؛ تشتعل أجوبةً؛ تشتعل إشكالياتٍ؛ تشتعل اقتراحاتٍ؛ تشتعل حلولًا... وأنت غاضب... تشتعل.. تشتعل توقعاتٍ؛ تشتعل تخميناتٍ؛ تشتعل أفكارا جديدة، تشتعل أفكارا غريبة، تشتعل... لديك طاقة تخال نفسك بوسعك أن تغير بها القدر! تخال نفسك بوسعك أن تغير هذا القدر الحزين... هذا القدر الذي صرت بعده بلا عيد؛ و... "تستعيد عيدك"...! 
فتفاوض، و تساوم، ثم تشتعل أكثر، ثم تفاوض، ثم تساوم، ثم تشتعل أكثر… و في الحقيقة أيّها الحزين الغاضب، أنت لم تكن تشتعل؛... أنت كنت... "تحترق".

المرحلة الرابعة: (مرحلة الاكتئاب)

لم يعد جسدك قادرا على تزويدك بتلك الطاقة الخرافية! ها أنت الآن مرميّ؛ على ذلك السرير، في تلك الغرفة، في ذلك الطابق، في ذلك المستشفى؛ تحتضر، أو كمن يحتضر. مرهق جدا جسدك و عقلك... صرت صامتا... الآن فقط.. الآن فقط.. بدا عليك الحزن الذي كنت تخفيه طوال الوقت بالغضب، و التمرد، و الأسئلة، و المساومة... كأنك تستسلم! ... إنه "الاكتئاب".

 التعافي _ المرحلة الخامسة:

ها أنا الآن ذلك المريض "المفترض"... مرميّ؛ على هذا السرير، في هذه الغرفة، في هذا الطابق، في هذا المستشفى (مستشفى شيكاغو) أحتضر... أكتب رسالة سأتركها عند طبيبتي _إيليزابيث كوبلر روس_ لأصحّاء الزمن القادم. 
أتركها لك، أجل لك..
هل سبق لك أن شاهدت من يمضي إلى موته سعيدا؟ أنا... أنا سعيد.. حقّا سعيد.. و أيّامي صارت كلّها عيد...
و لكن.. قبل أن أمضي و أغادر، أريد أن أسألك: "العيد الذي بداخلك.. ماذا حل به؟". أ يعقل أن تسمح لتفاصيل الحياة اليومية، و صعوباتها، و تعقيداتها، و... أن تجعل روحك بلا ألوان؟ أن تسلب منك روحك؟ أن تسلبك عيدك؟ 
يا صحيح الجسم؛ يا سليم العقل... كفاك خمولا، كفاك كسلا... أخرج بعقلك من مناطق الراحة التي عوّدت نفسك عليها. كفاك استسلاما لمصاعب الحياة؛ واجه، قاوم، تمرّد. حان الوقت لكي تقتنع أن استسلامك المتواصل، و خنوعك المستمر، و تقبّلك الدّائم ليس مردّه أنّ الحياة شقّت عليك، و لكنّ مردّه أنّك اعتدت البقاء في منطقة لم تعد قادرا على أن تبرحها اسمها "منطقة الراحة".
تعلّم منّا نحن الملقون في هذا الطابق في هذا المستشفى في الولايات المتحدة؛ لقد أنكرنا و رفضنا، و غضبنا غضبا شديدا، و دخلنا في مفاوضات شرسة و مساومات أشرس، ثم بعدها استسلمنا...
لا، لا، إنّك مخطئ. لقد كان استسلامنا شيئا رائعا. صحيح أنّ مرحلة الاكتئاب تلك كانت مرحلة قاسية جدا، و لكنّها كانت ضرورية؛ لقد قادتنا للسّلام... صحيح أنّنا لم نتمكّن من إيقاف الزّمن لنحيا المزيد من الأعياد و السّعادة، و لكنّنا آخذون السّعادة معنا إلى حيث ذاهبون.

خاتمة:

و لكن أنت بوسعك أن تصنع "عيدًا سعيدًا" دون أن تضطرّ للرّحيل به إلى أيّ مكان؛ فقط امتلك شجاعة الرّفض، شجاعة الغضب، شجاعة السّؤال، شجاعة الجواب، شجاعة الفشل، شجاعة الاستسلام، شجاعة الحزن... ترحًا كان، أو كآبةً، أو أسفًا، أو وجومًا، أو أسًى، أو سدمًا، أو كربًا، أو بثًّا، أو كمدًا. يبدو حزنا لا يستطاع إمضاؤه، و لكنّه سيمضي.
توفّي المريض "المفترض" قبل أن تصدر إيليزابيث كوبلر روس كتابها  « on Death and Dying » عام 1969، و توفّيت الطبيبة و العالمة إيليزابيث كوبلر روس في 24/08/2004 في أريزونا في الولايات المتحدة الأمريكية. 


"عش بالطريقة التي لا تجعلك تتوقف لحظة و تنظر فيها إلى الوراء و تقول: يا إلهي! كيف أضعت حياتي؟"

                                                            _إيليزابيث كوبلر روس_ 

35.7K
او قم بنسخ الرابط وانشرة اينما كان
كتاب القدس

هذا المحتوى ملك للمسؤول
alqudsbook.com موقع

© alqudsbook.com. كل الحقوق تعود الى كتاب القدس. صمم ل كتاب القدس