كتاب القدس

كن كاتبا

ابدأ الان بكتابة المحتوى على منصة كتاب القدس

قراءة في العلاقة بين المرض النفسي والتسلط الشيطاني

قراءة في العلاقة بين المرض النفسي والتسلط الشيطاني

قراءة..

 في العلاقة بين المرض النفسي

         والتسلط الشيطاني

__________________________

المرض النفسي وأسباب نشوئه ودور التسلط الشيطاني فيه، وهل له وجود أو دور فيه،

 
كان هذا دوما محل نزاع، خاصة منذ نشأة علم النفس التجريبي الحديث..
حيث انقسم حول هذه المسألة فريقين متبارزين.. فريق الأطباء والعلماء التجريبيين، وفريق القائلين أنه من عمل الشيطان ومن المس والسحر والأعمال..
وكل فريق يتعامل بقسمة حادة ويرفض الفريق الآخر تماما..
خاصة وأنه بالفعل في الوقت الذي كان العلماء والأطباء في أوائل القرن الماضي مع مدرسة فرويد النفسية يسيرون بخطى تبدو منهجية مدروسة مرتبة أنيقة. وعلى الجانب الآخر في هذا الوقت، من مرضت نفسه، كان يتم سحبه للدجالين وأصحاب الأعمال السفلية، ويتم عمل جلسات زار له لإخراج الشياطين ! أو يدخل في متاهات السحر والأعمال والأحجبة والطلاسم الكفرية طلبا لشفاء المريض..
للأسف كان الجهل والدجل يعم هذه الساحة بالكامل... وكانت الصوفية والأضرحة وساحات الموالد هي مأوى هذا التخريف واحتلته تماما لعقود.. وكان الميئوس من تحسن حالته بعد كل هذا التيه والعبث يترك لمرضه ويطلق عليه مجذوب أو مبروك ! بل ولأنه مبروك قد يربح أهل المريض من وراء مرضه الأموال، وتنهال عليه الهبات تبركا به، ويصبح فجأة تميمة حظ ومصدرا وفيرا للربح. ويترك المسكين لمرضه يتعذب فيه.. وحوله مولد من المجانين لا يدري ما يريدون منه !
 
فبالطبع اتجه وقتها العقلاء للعلم التجريبي الممنهج الذي يشخص ويعالج على أسس وأبحاث وتجريب وقياس.. ولا يلقي بالمريض وأهله في دوامة الدجل والأعمال..
 
وحقيقة كل ما كان قادما من الغرب في هذه الفترة قد تم اعتماده وإحلاله. وقد أتى محملا بأفكار عصر النهضة وعلى ضوء المدارس الفلسفية الغربية واحتل الأذهان بروح صعود نجم أوروبا وعلومها، وأفول نجم الشرق والمسلمين ومنابعهم، ومع نشاط المستشرقين الكبير قبلها، فقد تم اعتماد كل ما أتى منهم، لا سيما وقد أبهر الناس تفوقهم في العلوم البحتة كالرياضيات والكيمياء والهندسة والاختراعات المتتالية التي بدأت تفد من بلادهم مع الثورة الصناعية...
وهنا بدأ عصر التبعية الشاملة.. عصر جحر الضب.. فسلمنا لهم القياد وتلقينا منهم العلم كله.. وكان قد قدم منهم مع ما قدم، علوم النفس وعلوم الاجتماع والفلسفة..
 
وكان هذا هو الفخ... !
 
نعود للسؤال الرئيسي الذي تطرحه هذه القراءة..

هل هناك علاقة بين المرض النفسي والتسلط الشيطاني ؟

الحقيقة وللعجب،
هناك علاقة قوية جدا بينهما..
علاقة لا يمكن إغفالها بأي حال..
 
                        __________
 
من ديننا القويم وبنص سليم..
نعرف أن :
 

١- "الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم"

ولكن ما معنى هذا تحديدا هنا ؟
 
إنه مجرى الدم.. والدم.. هو سر كل شيء..
ذلك السائل الحيوي جدا الذي يحمل كل انزيمات وهرمونات وكيماويات أجسادنا.. والذي يجري الشيطان فيه ويرتع بحرية ويعتبرها قنوات عبوره وانتقالاته، خاصة إذا كان شخصا مقيما مع المعاصي والشهوات.. أو حتى طائعا لله ولكن عباداته متقطعة فيكون في أوقات كثيرة غير محصنا، أو حتى عابدا ملتزما لكن انفتحت ثغرات نفسه يوما في وقت ضعف، أو ضعيف النفس غير متماسك لا حيلة له في رخاوة روحه..
                          ________
 

٢- "أجوف، خلق لا يتمالك"

وتعتبر الصدمات Trumas والانفعالات القوية كالحزن الشديد.. الخوف الشديد.. الغضب الشديد.. و.. و.. ، بمثابة بوابات ممتازة ومفتوحة على مصراعيها للشياطين على ابن آدم.. يدخل منها فيجري في مجاريه ويغير في دمه وحالته وكيمياء جسده.. فيذبل الإنسان بعد الصدمة ويذوي وتمرض نفسه ويصاب باختلالات عديدة من جراء هذا العبث به. اختلالات قد تصل حد الفصامات. وقد تفسر الفصامات بشكل معقول جدا، بتلبسات من عدة شياطين تمسك بزمام هذه النفس المريضة وتتجاذبها وتتقاذفها كلعبة في أياديها، فتتقلب النفس بين الحالات والمزاجات بل والشخصيات..
 
والاكتئاب.. مرض العصر.. ما هو إلا تسلل شيطاني يأتي من الحزن والانكسار وفقدان القيمة، ليمسك بتلابيب النفس ويظلم عليها بعباءته ويقيم فيها.. فيجعلها عاطلة عن العمل، ويكسبها الوهن والشعور بالتعب المستمر، والرغبة الدائمة في النوم، أو الأكل، أو العزلة عن الناس، أو الفتور، وضياع طعم أي شعور. وكأن هذا التسلط يمتص طاقة الانسان تماما.. لأنه دخل من صدمة أو انكسار أو من سلسلة متراكمة من الأحزان، أوهنت النفس ودفاعاتها، ففتحت عليها بابا...
 
يقول ابن القيم في زاد المعاد :
لو كشف الستار لوجدنا أكثر الناس في أسر الجن..
 
ولعله سبب جديد نتعلمه عن سبب وصية رسولنا الحبيب مرارا ألا نحزن وألا نغضب..
 
وعلى هذا المنوال كل مرض نفسي يمكن أن يفسر على ضوء جديد لو أعدنا قراءته تبعا للمنظور الإسلامي.
 
تشخص الحالات النفسية تبعا للمدرسة الغربية وتطلق أسماء ومصطلحات تشخيصية ربما صحيحة، لكن منقوصة التفسير.. ويأتي معها دور التداوي الطبي الكيميائي.. فيغير عنوة ما أحدث الشيطان من عبث في مجرى الدم ويعكس تأثيره.. ويعيد كيمياء الجسم لبعض انضباطها.. ولكن دون ضبط النفس ذاتها..
حل محدود.. ومن جانب آخر غير المدخل الأصلي..
وكأنها رياح تدخل من الباب.. فنغلق النافذة مؤقتا، مع أن الباب لازال مفتوحا.. !
يحدث بعض التأثير الوقتي.. وهو شعور الكثيرين الذين يظنون وقتها أنهم تعافوا تماما..
ولكن يعود ليتراجع الأثر إن استمرت العلة في الروح..
وتعود (معادلة سد النافذة) ضد (معضلة إغلاق الباب)
 
وتفصل المدارس النفسية التجريبية الغربية دور الشيطان تماما من هذه المعادلة، ومن تأثيره الأساسي في إمراض النفس.. وتعتبرها في حكم المعدوم.. بل كانت تنظر دوما لهذا التفسير بكثير من الاحتقار والاتهام باللاموضوعية وعدم الخضوع للتجريبية، كعادة المادية الغربية التي لا تعترف إلا بوجود المنظور الملموس (يتغير هذا حاليا وفي الاتجاه المعاكس تماما مع حركة العصر الجديد.. ولنا فيها حديث)
ثم تلقينا نحن منذ القرن الماضي هذا الطرح من المدارس النفسية الغربية كالعادة دون تفكير وفرز للمعلومات وما الذي ينقص وما الذي يحذف، ودون إعادة موضعتها وتصنيف أطروحاتها حسب مرجعيتنا التي أخبرتنا بوضوح شديد عن عدونا المترصد والمتحفز لأي فرصة سانحة للهجوم والسيطرة علينا، وكيف أنه بطبيعته الأثيرية التي تمكنه الجريان فينا مع مجرى الدم وتغيير كيمياء أجسادنا، هو سبب العديد من الأمراض النفسية التي نحتار في مصدرها وفي تعقيدها ونعزوها إلى أمور عديدة أخرى منها البيئة، ومنها الاستعداد الجيني، والميراث العائلي، وكلها صحيحة، وهي عوامل مساعدة أو محفزة للمرض، ولكن لا تمثل كل السبب أو المصدر..
يتشعب يوميا تعقيد هذا العلم المبني على الأساس الغربي ولا نصل للإجابة أبدا. وتتعاظم قائمة المصطلحات والأمراض النفسية يوما بعد يوم ولا حل ولا مخرج (لأنه لا باب يغلق.. دوما هي النافذة)..
ولا نفكر أبدا أن كثير من مرض النفس قد أتي فعليا من صدمة، أو غضبة، أو رعبة، أو كسرة، أضعفت الإنسان، فتسلل شيطان منها للنفس، فأقام وعبث مستخدما مجرى الدم...
 
نرى مثالا واضحا لمعضلة الباب والنافذة في القصة الحقيقية ل(أناليس ميشيل) الفتاة الألمانية المتدينة وقصتها الشهيرة (والتي تم تجسيد قصتها في فيلم شهير يحمل اسم ايميلي روز)، والتي تغير حالها بعدما سافرت للدراسة وتم عزو حالتها لأسباب خارجية كالقلق والوحدة من السفر. وتم تشخيصها تحت مصطلحات نفسية عجماء تعتمد على التوصيف المجرد للأعراض السلوكية كالعادة، فصنفت كمريضة بالصرع والذهان وبغيره. فتم اخضاعها للعلاج النفسي المكثف لشهور طويلة بالأدوية والعقاقير الكيميائية دون جدوى. بل سائت حالتها بشدة وأصبحت الأعراض مخيفة كنوبات الصراخ، والتواء الأطراف التواءا فوق طبيعيا، وظهور الكدمات عليها، مع الامتناع التام عن الطعام إلا من أكل الحشرات !
*(نظرة سريعة : عن العلاقة بين أكل الحشرات [الخبائث] والشياطين ! والذي يحاول النظام العالمي الجديد فرضه على الأسواق والأذواق)
واتضح أخيرا أن الفتاة بالفعل ممسوسة ومتلبسة تماما من عدة شياطين.. 
وطبعا قد تأخر إدراك المسار الصحيح لمصدر مشكلتها وإصرار المحكمة وقتها على تطبيق العلاج النفسي الدوائي فقط دون غيره.. وتوفيت في النهاية.
 
• قصة أناليس ميشيل :
 
وهذا طبعا مثال حاد وصارخ للمسألة..
ولكنه يشرح المعضلة بشكل واضح...
 
في صورة أقرب وأيسر فهما لنفس المسألة..
نتأمل في آلية عمل السحر المأكول أو المشروب..
ما الذي يفعله تحديدا طعام أو شراب تم تناوله وعليه طلاسم ؟
الفكرة أن هذا الذي تم تناوله يصحبه شيطان تم تسليطه على هذا الشخص بداء معين يصيبه عن طريق تلك الطلاسم. ومن قام بعمل السحر يعلم تحديدا نتيجة هذا العمل السفلي وأثره على الجسم.. فما الذي حدث ؟ تم تسليط شيطان بطلب من الساحر على جزء معين من جسد هذا الإنسان فأصابه بالتعطل والعطب.. والمرض.
 
بنفس الآلية في مرض النفس الذي يصحبه تغير حاد في حال الشخص.. يدخل الشيطان بجريانه في مجرى الدم ليتلاعب بكيمياء الجسد، بل وبالأعصاب والمخ ومختلف أجهزة الجسم..
لذلك التدخل الكيميائي المضاد والذي يستطيع تعيينه العلم التجريبي بشكل فيه دقة لا يمكن إنكارها، يقوم بعمل مضاد لحالة الاختلال في الكيمياء الجسدية هذه، وينجح في حالات كثيرة في عكس الأثر وظاهر الشفاء..
ولكن قد يعود المرض أقوى بمجرد اختفاء أو توقف هذه الكيمياء العلاجية المضادة.. لماذا ؟ كما أخبرنا.. بسبب معادلة النافذة والباب.. حيث لم يغلق الباب من الأصل...
 
العلم التجريبي لا يمكن تنحيته.. لكن لابد أن يعيد ترتيب أوراقه من جديد ويضع مسألة المس الشيطاني في الحسبان.. بل ولابد للمدرسة الإسلامية في علم النفس أن تبني هيكلها الأكاديمي لإعادة تأسيس هذا العلم على أسس صحيحة نابعة من ديننا الإسلامي ومعارفنا المكتسبة منه..
 
لذلك ونهاية،
من يقولون إن القرآن والصلاة والالتزام الديني والقرب من الله لا علاقة لهم بالمرض النفسي، ولا يساهموا فعليا في الشفاء وفي إزاحة جانب كبير منه والتخفيف من وطأته، هم مخطئون خطئا كبيرا جدا.. ووقعوا في فخ المادية التجريبية التجريدية الغربية عديمة الروح وعديمة الفهم الفعلي لجانب النفس والروح كما هو في الإسلام..
بل القرآن والدين والذكر والصلاة يساهمون إسهاما مباشرا في الشفاء بإذن الله، وفي التحصين من زيادة اعتلال النفس، ويجنبه استمرار سوء حالته ويصرف عنه كثيرا من التدهور والانحدار،
بل وفي كثير من الأوقات وبرحمة من الله قد تشفى النفس المريضة بذكر الله وحده دون أسباب مادية..
والأدلة على ذلك في الوحي عديدة.. فالشفاء من عند الله وبيده وحده. ومن يطرق بابه صادقا موقنا يأخذ بيده ويشفيه برحمته.. فهو واقف في المكان الصحيح.. هو الآن عند الباب..
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ [ يونس: 57]
 
لذا، فمن يرغب باتخاذ الأسباب، متوكلا على الله، ومدركا لمعادلة النافذة والباب، فقد يساعده بعض العلاج الدوائي، إن اقتضى الحال...
 
لكن التشبث بالفرع والتجنيب للأصل، هو من التيه والضلال.. والوصول لحقيق الشفاء مع هذا التجنيب، يصير حقا بعيد المنال..
 
والله أعلى وأعلم
وهو من وراء القصد..
 

•∆• تم عمل ملف pdf للمقال :

 

• دعاء ليث •

127
او قم بنسخ الرابط وانشرة اينما كان
كتاب القدس

هذا المحتوى ملك للمسؤول
alqudsbook.com موقع

© alqudsbook.com. كل الحقوق تعود الى كتاب القدس. صمم ل كتاب القدس