*🇵🇸سلسلة فلسطين - ٣*
للدكتور راغب السرجاني (بتصرف)
*المؤامرة الفكرية*
حلول كثيرة جداً يذكرها المفكرون، ويشعر بها عموم الناس، لكن هذه الحلول توحي بأنه ليس في مقدور الشعوب أن تقوم بشيء وهذا ليس صحيحا، فهل الرجل البسيط العادي يستطيع أن يفعل شيئا لفلسطين؟ أو يكون السؤال: ما هو دوري ودورك في قضية فلسطين؟ فمن أجل أن تقول يارب فعلت ما في وسعي، ترى ما هو وسعك؟ وما هي طاقتك؟
إذا أردنا أن نتحدث عن دور المسلمين عموماً في حل قضية فلسطين فلا بد من دراسة المؤامرة الضخمة التي تدبر للإسلام وأهله، وتدبر بالتبعية لفلسطين، مؤامرة ذات جذور قديمة على مدار العصور، منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الآن وحتى يوم القيامة. وتشمل المؤامرة الكبرى:
مؤامرة سياسية عن طريق المفاوضات، والسفارات، والأحلاف.
مؤامرة عسكرية عن طريق الجيوش والصواريخ والطائرات.
مؤامرة اقتصادية عن طريق الحصار والقيود الاقتصادية، وقصر الإنتاج على سلع بعينها.
مؤامرة تفريقية يفرقون فيها بين المسلمين عن طريق مؤامرات بين الشعوب.
مؤامرة أخلاقية عن طريق تمييع أخلاق المسلمين بالإعلام والفضائيات والإنترنت.
مؤامرة فكرية لتبديل المعايير الصحيحة للمسلمين، وقلب الموازين العادلة.
كل هذه المؤامرات مجتمعة وتجري في وقت واحد متزامن، ولكن أخطرها حقيقة المؤامرة الفكرية متبوعة بالمؤامرة الأخلاقية.
فما هو الفرق بين المؤامرة الفكرية والمؤامرة الأخلاقية؟ وما هو الذي يجعل المؤامرة الفكرية أشد؟
أمثلة للتوضيح: السيدة التي تخرج بلا حجاب لضعف في نفسها مشكلتها أخلاقية، بينما السيدة التي ترى أن الحجاب موضة قديمة ولباسه رجعية وتخلف فتعاني من مشكلة فكرية.
الرجل الذي يأخذ رشوة لصعوبة ظروفه وقد يقول سامحني يا الله مشكلته أخلاقية بينما من يراها إكرامية وحق مكتسب نتيجة مجهود ويقنن الرشوة، فعنده مشكلة فكرية.
كذلك في أمور العبادات، فالفقهاء يقولون: إنه من ترك الصيام وهو يقدر عليه تكاسلاً فهو فاسق (مشكلة أخلاقية)، أما من تركه إنكاراً له فهو كافر (مشكلة فكرية).
أيضاً في قضية فلسطين: من يعتذر عن المساعدة تجاه القضية لظروف أو لضعف نخوته وشهامته وحميته فهو يعاني من مشكلة أخلاقية، لكن من يقول: ما لنا ولفلسطين، نحن نعيش في بلد وفلسطين بلد ثانٍ، فهذا يعاني من مشكلة فكرية.
فالمؤامرة الفكرية أعمق وأخطر من الأخلاقية وكلاهما خطير، المؤامرة الفكرية تقلب الباطل حقاً، وتقلب الحق باطلاً، فقد يقاتل المرء حتى الموت من أجل قضية خاطئة لا تساوي في ميزان الله ولا في ميزان الإسلام شيئاً (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
حتى في داخل فلسطين من الممكن أن تتسبب المشكلة الفكرية في كارثة لمن يقاتل إن لم يصلح نيته، روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعةً ويقاتل حميةً ويقاتل رياءً، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.
لابد أن تفهم قضية فلسطين فهماً صحيحاً دقيقاً، فلو تآمر أعداء الإسلام على المسلمين سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، لكن بقيت أفكار الشعب صحيحة، فإن الأمل في الإصلاح يكون كبيراً، لكن لو فسدت أفكار الشعوب فلا يمكن أن تقوم حتى وإن كانت قويةً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
نعم، كل المؤامرات خطيرة، نعم، ويجب أن نساعد الفلسطينيين وغيرهم من المسلمين من الناحية العسكرية والسياسة والاقتصادية، لكن الحذر كل الحذر أن يلتفت المسلمون إلى هذه المؤامرات ويتهاونون عن تصحيح أفكارهم، أو يقاتلون من أجل قضايا خاطئة، فتلك قضايا لو تهاون فيها المسلمون ما قاموا أبداً.